دأب العاشقون على اعادة احياء علاقاتهم حال ذبولها باستذكار اللحظات الجميلة للعلاقة، وكوني أمر بفترة جفاء كتابي وغياب الحافز والحماس للمطالعة، حاولت استنساخ نفس الأسلوب، واستذكار بعض ذكرياتي الجميلة معها:
(١) منطق البحث العلمي - كارل بوبر ...
حين التحقت بكلية الطب قبل سبعة أعوام، كنت قد بدأت قبلها بأيام بقراءة كتاب (منطق البحث العلمي) لكارل بوبر، وتوقفت عن قراءة هذا الكتاب لانشغالي في عامي الأول في الطب، ورغم أني قرأت أكثر من مئتي كتاب غير طبي خلال حياتي في الكلية إلا أني لم أشعر للحظة بامكانية استكمال كتاب منطق البحث العلمي لأنه كان بالنسبة لي كتاب لا يقبل المشاركة ويحتاج لتفرغ تام، ويكفيك أن تعرف أن المؤلف استغرق في كتابته ٦٠ عاماً، بعد أن انهيت سبعة أعوام في دراسة الطب الشهر الماضي عدت لاستكمال قراءة هذا الكتاب من حيث انتهيت قبل سبعة أعوام.
(٢) كيف سقينا الفولاذ؟ - نيكولاي استروفيسكي ...
قرأت أجزاء من رائعة استروفيسكي الخالدة أثناء محاضرة التشريح في عامي الجامعي الأول، وفي احدى المحاضرات تحدث المحاضر عن تحديد موعد الامتحان النصفي للمادة، وفي أسذج ردة فعل في حياتي حين سمعت بذلك وانا أقرأ الرواية قمت بتفقد حجم الجزء الذي طالعته من الرواية لأني اعتقدت لبرهة ان الامتحان سيكون فيها !!
(٣) كيف تكسب الأصدقاء؟
آمنت دائماً أن عليك أن تقرأ كل شيء بلا معايير مسبقة سوى الجودة وليس الموضوع، المرة الوحيدة التي تركت فيها هذا الايمان حين صادفت كتابا بعنوان (كيف تكسب الأصدقاء؟)، لا أذكر اسم المؤلف لكن الكتاب بدا غريبا جداً بالنسبة لي، لم أفهم لماذا يقوم شخص بتأليف كتاب كهذا؟ هل يعقل أن أقرأ كتاباً لكي أكسب أصدقاء؟ فمن ناحية لم اعتقد ان هناك مهارة خاصة في الأمر بقدر ما هو سلوك اجتماعي طبيعي يجمعك بمن يناسبك وتناسبهم، والأهم من ذلك اني لم أفهم لماذا يعتبر ذلك أمراً مغرياً عليك السعي للحصول عليه ومطالعة كتاب من أجله، فبطريقة ما كان الكتاب بالنسبة لي اشبه ما يكون بكتاب يعلمك كيف تفلس او تصبح تعيساً، حتى هذه اللحظة ورغم غرابة الكثير من الكتب التي طالعتها لا يزال هذا الكتاب اكثر كتاب تسبب لي بصدمة معرفية وشعرت بأني فقدت ايماني بفكرة ان عليك أن تقرأ كل شيء.
حين قرأت رواية (القوقعة: يوميات متلصص) لمصطفى خليفة لم أتركها حتى انتهيت منها بالكامل لدرجة اني قرأت صفحاتها الأخيرة بصعوبة بسبب غروب الشمس وحلول الظلام وتكاسلي في النهوض من مكاني لاضاءة الغرفة.
أكثر ما يربطني بهذه الثلاثية هي أنها كانت آخر ما قرأت في المرحلة الورقية، وأصبحت معظم مطالعتي بعدها تتم باستخدام جهاز لوحي ما أمكن. أما حكايتي مع هذه الثلاثية انها كانت موجودة في مكتبتنا الصغيرة في البيت بنسخ قديمة ولم تكن سوى رواية السكرية محتفظة بغلافها، ولم أكن اعرف ان كان هناك ترتيب ما لكني بدأت بقراءة السكرية، ثم وضعتها في مكان لم اتذكره، فبدأت بقراة قصر الشوق، ثم وجدت السكرية وعدت لاكمالها، وشعرت بفجوة ما فبدأت بقراءة بين القصرين، وانتهى بي الأمر مطالعاً الثلاثية في نفس الوقت، بدا الأمر ممتعاً لكون هذه الثلاثية لا تقوم بشكل اساسي على التشويق والترابط القصصي بقدر ما هي تعبير دقيق عن واقع مصر في تلك الفترة.
(٦) فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال - ابن رشد
عرفت هذا الكتاب من اقتباس في كتاب آخر، بحثت عنه وقمت بتحميله، في البداية شعرت ان حجم الكتاب أصغر بكثير من مناقشة ما ذكر في العنوان، أما صدمتي الثانية فكانت في بساطة ورداءة الكتاب ربما لكونه يناقش قضايا فلسفية اساسية أصبحت الآن من العلم والآراء الفلسفية فيها بلا معنى، فهو يؤكد أصل الأشياء بتقسيمها لثلاثة أقسام:-
1. موجود من شيء وعن شيء: اي صنع من شيء وعلى يد فاعل وسبقه زمن وذكر مثالاً على ذلك الهواء والماء.
2. موجود لا من شيء ولا عن شيء ولم يسبقه زمن وهو الله.
3. موجود لم يكن من شيء ولا سبقه زمن لكنه موجود عن شيء أي له خالق وهو العالم بأسره.
وبالطبع في ضوء العلم المعاصر، لا يعدو ذلك كونه هراء طفولي يحكى للأطفال قبل النوم، ,وبالطبع لا يعتبر ذلك اطلاقاً انتقاصاً من قيمة ابن رشد بل ايمان بتكامل الفلسفة والعلم وما ذكرته في تدوينة ( امرأة من أثينا لا تكفي)، لكني شعرت انه خذلني وأن الكتاب سطحي جدا ووسط هذا الخذلان تحدث الكتاب في أحد الحواشي عن حكم انكار الآحاد وقول النَظّٓام في الخروج عن الاجماع وما فيه من احتمالات، ومن هذه الحاشية انطلقت في رحلة بحث كانت الأمتع والأوسع والأكثر تأثيرا في فهم الدين ووسائل التشريع ومقدار القدسية فيها، ويومها عرفت أنه لا يمكن ان تكون القراءة مضيعة للوقت مهما بلغت رداءة الكتاب.
كذب عليّ العشاق، لا زلت لا أشعر بأي رغبة في القراءة او حتى استكمال الكتابة.
باسل
باسل