فمن الأصدق؟!
أيها الجسد المسجى بين أغصان العفة والطهارة، في زمن تعفن الإرادة، واستيقاظ الشهوات ونوم الضمائر.
أيها الجسد المسجى بين أغصان الملح و أشجار الجرح، ينتظر دوره لنقيم عليه صلاة عجلى لا ركوع فيها ولا سجود، ثم نحمله على أكتاف كسلى لا هم لها إلا الرجوع دونه، لماذا لا تقوم لي ثائراً –كعادتك- وتصرخ في وجهي:"لست جسداً، أنا نسمة"، وحينها فقط سأصرخ – على غير عادتي – في وجهك :"لماذا رحلتِ اذن وأصبحت جسداً مسجى بين الوجود و العدم؟!"
لماذا رحلتِ وتركتي قلمي خلفكِ يهذي: رحلت نسمة .. وللأبد.لذا سأظل أهتف: أيها الجسد .. أيها الجسد.. حتى تعودي، وحينها فقط سأناديك مجدداً نسمة، لكنك لن تعودي، وأنا القادم من وراء الأزل، أنا الذي عشت هنا قبل تلك المدن و العواصم، أنا الذي كبرت قبل اختراع الذكريات، أنا الذي تكلمت قبل تأليف الأغنيات، سأكون أعجز من ان أجادل القدر في رحيلك، دعيني وامضي اذن، رائعة حتى في عبورك الجارح، ودعي لي الذكرى لأستعين بها في زمن سيمضي بلا ذكرى، زمن لن تكوني فيه لتحكي لي عن الفرسان الذي لا ينتصرون، زمن لن تكوني فيه لتأخذيني إلى المدن التي لا تاوي الغرباء، فبعدك من سيطرق معي الأبواب التي لا تفتح، ويرقب معي الفجر الذي لن يبزغ، فكم سيلزمني من الكذب كي أواصل بعدك؟ وكم يلزمني من الألم لأدرك أن رحيلك كان الأقسى
.في زمن الفجائع
كثيرة هي الطرق التي تركتها لي لأدخلها، فأيها أولا؟، أم علي أن أتركها جميعا وأرافق جلجامش في رحلة الخلود لتعودي إلي أولا ..
لكن جلجامش عاد بدون الخلود، وأنت رحلت بلا وداع، وأنا سأبقى دونكِ، فمن كان الأقل حظاً بيننا.
ستسألني أيامي الباقية عنك فماذا أجيب، أأرسلها في أثرك?? وأبقى أنا جسداً ثابتاً في عالم المادة تسحقني زحمة الأرواح، أم علي أن أعلق أيامي على مشجب الزمن الفاني لياخدها أولئك الذين يعشقون الخلود.
سأكتب وأعلم أن الكتابة عنك لعنة سرمدية ستلاحق عمري الفاني، ولكني لم أعرف بعد هل تركتِ لي ما يكفي من التعويذات لترد عني كل هذه اللعنات؟؟.
ها أنا ذا يا سيدتي أتلو لعنة الكتابة ولن أخشى الندم فأن أندم على ما فعلت أهون علي من الندم على ما لم أفعل.
إليّ بالأبجدية ، وإليّ بالقلم ، هذا زمن اللعنات...
سأكتب فسنين الغربة و اللجوء التي علمتني كيف أقاوم بطش المحتل لم تعلمني كيف أقاوم شهوة الكتابة عنكِ، و اليد التي احترفت حمل البندقية لم تنسى كيف تحمل القلم ولا كيف تعانق الأحبة العائدين من الزمن برد الذاكرة لدفئ الكلمة.
الآن علي أن أقول كل الذي لم أقله وأتوقع كل الذي لم تقوليه.
أيتها الراحلة بين ما أعرف وما لن اعرف، بسذاجة التوبة الأولى وعبقرية الخطأ الأخير، قبل اليوم كنت أظنك وشماً على كف غجرية وقفت طويلاً اتأمله دون أن أفهم شيئا، الآن أعرف انك كنتِ ذاك اللحن الغجري الذي جاهدت لإبقائه خارج نطاق تأملي ولما انتهى عرفت بأنه وجهتي، فتعساً لي وتعسا للوشم الكاذب.
.
باســــــل
رواية نسمة -الصفحة الاولى