لم أنسى ما قاله معتصم لي ذات سمر قبل رحيله بأسابيع:
- الواحد ما بصير بني آدم إلا إذا طلع من هالبلد !
- الواحد ما بصير بني آدم إلا إذا طلع من هالبلد !
يومها كنت مشغولا بالتفكير في رحيلك ولم أفكر فيما تعنيه هذه العبارة لكن الكل هنا صار فجأة يردد ذات العبارة مؤخراً، وأنا الوحيد الذي يواجه مشاكل في فهمها، لقد سمعت هذه العبارة حتى بدأت تزعجني لدرجة التفكير جدياً في معناها، وفيما يجعل الكل يعتقد أن الحياة في غزة بالذات انسلاخا عن البشرية الآدمية، لذا دعني أحاول فهمها: ربما أن حواء قد خانت آدم مع رجل عند سفح الجرمق لم يحدثنا عن وجوده سفر التكوين ولم تذكره سورة الأعراف، وبذلك لا نكون نحن الفلسطينيين من أبناء آدم، أو دعني أكون أكثر منطقية وأقل درامية ، ربما أن آدم قد أعلن فيما ضاع - أو حُرّف - من التوراة أنه يتبرأ من كل من يأكل "المقلوبة" أو يمارس الدبكة أو يسكن هذه الأرض التي زور التاريخ حقيقتها فصارت مقدسة، ولنقل أني صدقكتكم بأني لست آدمياً ما دمت أسكن هذه الأرض، ما الذي يغريني بالرحيل والانضمام إلى آدمية لعنت منذ خلقت ولعنت كيف خلقت ولعنت أنَّى خلقت ؟!
هنا أوصيتني بالكثير ولم أجادلك لفرط ما اختلفنا في تعريف الجدل، وهنا بنات الحي تهامسن سخرية من لثغك الجميل كي تخفي كل واحدة منهن إعجابها بك عن الأخرى حين استفزهن كبرياء الحب الأول، وهنا صفصافة الدار العجوز اتكأت على ظهرك بعد أن حنا لها الزمن ظهرها، فلا هي نسيت لك ذاكرتك المنقوشة على جذعها ولا أنت نسيت لها ظل الظهيرات الجميلة في قيظ تموز، فكيف اختلفنا - ها هنا أيضاً - في تعريف الوطن، يوم كان لنا هنا وطن، وصار الآن لي –وحدي – منفى !
وهنا غفر الله لكَ طيشَ التجربة الأولى ولم تفغر لك أنثى سألتكَ عن أنثى ثُم رحلتْ دون أن تترك لك خِصلةً من شعرِها المقصِّف في شتاءِ العمرِ وخريفِ المرحلة، لكنها غرستْ منجلَها الثوري في خصيتِيك لئلّا تعبثَ مرة أخرى باشتراكية لا تغفر ما غفر اللهُ ونسيَ الناس، وطفِقتَ تستجدي فطرة الأنثى فيك لتعرف أين أشارت بوصلة الثورة هذه المرة.
باســــل