وفي عامٍ صرنا نسميه لاحقاً عامَ الورد، باع الناسُ ياسمينهم ليشتروا رصاصاً ومصاحفاً للمقاتلين، وكانت حبيبتي تبيع حصتها من الياسمين لتشتري دفاتر لاطفالٍ يرتقون مدارج الأبجدية والعلم جوار حائط المدرسة الجنوبي الذي نجا من الحرب، وكنا نصلي جميعاً للنصر وكانت تصلي وحدها كي ينزل المطر، وكنت أمشي إلى قلبها حافي اللغة أعزل المجاز لتغفر لي حديثي عن السفر، وكانت توصي النساء ألّا يسرفن في حب أزواجهن في المعارك لئلا يغرين الموت بهم، وكانت تظن أن الشهيد من مات في حب الياسمين، وقالت لي أنها ستخونني إن ذهبتُ للحرب وسترقص للفراشات في غيابي، أتراها فعلت ذلك؟
لكني حلمتُ أمس أنها قطعت الشجرة التي تحت شرفتها كي لا يتسلقها عاشقٌ بعدي، وأنها لم تغسل يدها مذ ودعتها كي لا يزول عهدي الذي كتبته على كفها بأن أعود، وأنها عقصت شعرها حتى أعود أو حتى يتعلم الجند فك جدائل الحرب دون أن تفك الحرب أرواحهم، لكنها الحرب يا حبيبتي نرسل خصومنا لأهلهم في كفن او نعود في كفن !
أما المؤرخ فكتب عن الراقصة التي رقصت للخليفة ليلة الانتصار، ولم يكتب عن الجند الذي سقطوا، ولا الذين عادوا، لكن الذين عادوا صاروا أكثر وفاءً للياسمين، وصاروا يعرفون أن الذي يزرع لغماً لا يحصد قمحاً، وأن الذي يحصد روحاً لا يأكل خبزاً، وعلموا أطفالهم أن لا يبيعوا ياسمينهم كما باعوه يوماً في عام الورد ولعنة الياسمين.
::: باســل :::