الله ليس موجود واجب الوجود كما قال فلاسفة الفيض، فلو وجب وجوده لسبقه موجِب والله ليس قبله شيء، والله ليس واحد فالواحد يحتمل النسخ والمسخ والجمع والتكرار وهو ليس جمعاً أيضاً، الله ليس ضد شيء فالضد رديف الضد في الشدة ويلغي متجهه إلى السكون والله ليس مثله شيء، الله لم يبدأ الخلق من العدم، وإلا لسبقه من خلق العدم، لكنه خلق العدم ومن العدم أدركنا المادة، والوجود المتمثل بالعدم والمادة ليس الصورة الوحيدة للوجود لكنها الصورة الوحيدة التي نلمسها ولا نستطيع مجرد التفكير بغيرها ....
أما بعد،
فإن الحديث عن فلسفة اللاهوت أيسر بالنسبة لشخص مثلي من التقديم لاعتذار ينازعني فيه صدق النية وفطرة الروائي المراوغ، ولا أعرف كيف تحولت محاولتي للتقديم لهذا الاعتذار شيئاً فشيئاً إلى فلسفة لاهوتية خالصة، ولا أخفيك يا ابن أمي وأنت تلتهم المراحل أني أصبحت مؤخراً أكثر تطرفاً وعناداً في محاولة إلغاء الواقع للتستر على تيبسي المرحلي، وحياتي الروتينية العبثية، ولست فقيهاً –مثلك- في القوانين والتشريع ولا منظومات القضاء ، لكني أعرف فقه الموازنات والأوليات جيداً حتى وإن تغاضيت عنه لغايات نرجسية عليا.
وقد بلغني أنك قررت المشاركة فيما أسميه "محاولات البقاء" ويسمونه "زواج"، وأنك قرأت الفاتحة التي طالما تساءلت عن سبب قراءتها في عقود القران، وعبثاً تتبعت ذلك تاريخياً لأعرف أول من قام بذلك، إذ أنني طالما رأيت أن سورة الفلق تناسب الموقف أكثر وأن التفكير قليلاً بذلك يقود لهذه الحقيقة الحتمية.
وكنت – كما العادة- من المتخلفين عن تهنئتك بذلك، ولكني لا أجد غضاضة في القول أني لم أفكر بذلك حتى، وان كان هناك ما فكرت به غير سورة الفلق فهو الغاية من تهنئة من هذا النوع، إن شخصاً قرر أن يصبح شخصين ليس شأني ولا شأن أحد سواه، وكما قلت أنه –قرر- فالزواج قرار – وهو قرار سهل بالمناسبة – ولم أسمع عن تهاني في القرارات فإذا أخبرتك أنني سأتقدم غدا لامتحان ما: هل ستهنئني على ذلك بالطبع لا لكنك سوف تهنئني على نتيجته أو انجازي، أم القرار فليس محل تهنئة، والحقيقة الأخرى أن الزواج أكثر غموضاً من نظريات بدء التكوين ! ولو أنصف الناس أنفسهم وغيرهم وصدقوا في تهانيهم لجعلوا التهنئة بالزواج تتم بعد عشر أعوام في مناسبة تخصص لذلك وقتها فقط يكون للتهنئة –كما التجربة – معنى !
وقد بلغني أنك قد حصلت على درجة الامتياز الأولى في أطروحة الماجستير التي كان يفترض - ولم أفعل بطبيعة الحال- أن أدققها لغوياً فقضيت الصيف كاملاً وأنا أدقق اسمها الطويل لا أكثر، وبهذه فالتهنئة كانت عليّ حق لكني كنت مشغولا عنها بها ! أي أني كنت أحاول استشراق الأحداث المتسارعة بطريقة سماوية وليس عشوائية ! ... فطرة الروائي المراوغ !
وإن كان ثمة ما جنيته من دراسة الطب فهو الذرائع، دراسة الطب هي الطريقة الأفضل لجعل الناس يجدون لك الذرائع ويلتمسون لك الأعذار من تلقاء أنفسهم، لذا لم يكن غريبا بالنسبة لي حين دعاني أحد أصدقائي قبل أيام إلى زفافه قائلاً" اذا فضيت مر خمس دقايق" وقفت كثيرا عند هذه العبارة وربما لا أزال واقفا، هل هناك من يدعو لزفافه بهذه الصيغة ؟!
أتمنى ألا ترى شوارع غزة ضيقة وكل ما فيها صغير الحجم كما رأيتها فور دخولك لها في الطريق من معبر رفح للبيت في زيارتك الأخيرة بعد سنين غربتك، ولا يحضرني –قطعاً- قول الشاعر :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن أحلام الرجال تضيق
لكن يحضرني أن ألقي عجز هذا البيت تحت أقدام المتكدسين أمام محطات الوقود في غزة وأقول بدلا عنه:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن بلادي عن نفسها تضيق
لكني أعرف أن نسمات نيسان في غزة، تحت شجرة الزيتون المتغطرسة أمام منزلنا والتي اعتدت أن تجلس تحتها في زيارتك الأخيرة لا يمكن أن تجدها في صحراء (العرب) النائمة على نفط (الله).
بالله بدأت وبالله انتهيت، فالتمس لأخيك العذر.
على أمل لقائك تحت ذات الشجرة .
كن الخير .. ثم كن نفسك .
باســــــــــل
أيار 2012
* كُتبت هذه التدوينة كرسالة اعتذار إلى أخي الأكبر محمد .