لا اعرف إن كانت القراءة تؤدي دائماً إلى الكتابة، لكني أعرف أن الكتابة تؤدي حتماً إلى الندم، وهنا أقتبس لك ما كتبته في سفر تكويني في اصحاح الحلم الأول " أن أندم على ما فعلت أهون علي من الندم على ما لم أفعل، إلي بالأبجدية، وإليّ بالقلم، هذا زمن اللعنات"
ثم أما بعد:-
فلقد شهدتُ حروب مدينتي كلها، وكتبت لها حين قبضوا عليّ متلبساً بحبها يوم خطفت الحرب الأخيرة أبراجها، وأنا الذي طالما أخفيت حبها حتى عن نفسي حين حدثتني بعبثية المصادفة.
ومن لعنات هذه المدينة أن الرحيل عنها دائماً يشبه الخيانة، والحصول على اذن للسفر ليس سوى استئذان جبان للتغيب عن حربها القادمة، أو لعله فقط يبدو كذلك، وحتى تأذن لي مدينتي بالسفر، فها أنا ذا هنا أكابر، كما علمتني أن أكابر، كراقصة باليه تقف على أطراف أصابعها المتورمة في الحركة الأخيرة فيصمت الجمهور انبهاراً، قليلاً بعد وسيصفقون لها طويلا، غير أني ومدينتي نكابر، قليلاً بعد، ثم قليلاً بعد، ثم كثيراً بعد، ثم حرباً بعد، ولم يصفق لكبريائنا الجريح أحد، لكننا لا زلنا نكابر، حتى تحرق حربٌ أخرى خشبه المسرح تحت أقدامنا، وسنظل نكابر .... فلا تسأليني متى أسافر.
وبتُ أجد في نفسي كثيراًمن الحاجة مؤخراً، بعد أن صرتُ أكثر ايمانا بالعلم كبديل وخلاص أكثر حقيقة وجدوى وأقل قدسية من كل شيء آخر اعتدت الإيمان به، أو لعلي بتُ مصاباً بالهيروفوبيا بعد أن فقدتُ آخر مقدساتي على صدرها الثلجي الذي غرقت به وأنا ابن الساحل وفتى المتوسط،وهنا يا عزيزتي أيضاً فقدت الأبجدية ونرجس الخيال الذي كتبت به سنبلة خجلى وعن الذين باعوا ياسمينهم.
وإني أكثر حزناً هذه الأيام ممن فاتتهم الحرب وهم يرون الجنة دونها، ومن طفل أضاع ما ادخره ليشتري به دراجته الهوائية الأولى، غير أني فقدت كل أسباب الفرح، ولم يعد الحزن حالة سلبية عابرة تزول بزوال أسبابها، بل أصبح هوية راسخة عصية على التغيير أو بالأحرى عصية على الفرح.
باسل